حسين شبكشي |
ليس في المشهد السوري البائس جديد، فآلة القمع الموتور تواصل حصاد أرواح المواطنين بشكل إجرامي وعشوائي، ولا تفرق بين طفل وشيخ وشاب وامرأة ولا مسجد ولا مستشفى ولا بيت. ولقد زادت وتيرة القتل والقمع بشكل هائل بعد تدهور وضع القذافي وخروجه من السلطة وسقوط حكمه، وتحولت البوصلة بوضوح نحو الهدف التالي للربيع العربي وهو نظام الأسد الدموي الذي يقتل في شعبه للشهر السادس. ولكن ثمة تطورات لافتة لا بد من الانتباه إليها داخل الساحة السورية. اليوم الجيش السوري، الذي يستخدم لدك المدن السورية، لا يستخدم إلا 50% منه بعد أن عانى من الانشقاقات التي وصل عددها إلى خمسين ألف فرد، إضافة لتذمر الأفراد المنتمين إلى المدن المدكوكة والمقموعة (وهي كثيرة) وحرصت قيادة الجيش على عدم المجازفة بإشراك أفراد من مدن محاصرة. حتى الجيش الذي كان الحضن الدافئ لأبناء الطائفة العلوية التي ينتمي إليها بدأ يلاحظ تذمرا وتململا وانشقاقا، فبإزالة وزير الدفاع السابق علي حبيب (العلوي) بشكل مفاجئ كان بشكل أساسي لورود اسمه كالشخصية الأكثر قبولا لاتفاق الثورة معه على انقلاب عسكري على نظام بشار الأسد ولكن النظام استشعر ذلك وأزاحه ووضع وزير الدفاع داود راجحة (مسيحي) بشكل رمزي وصوري، إذ إنه في واقع الأمر يقع بين فكي كماشة دموية مؤلفة من ماهر الأسد شقيق الرئيس وقائد الفرقة العسكرية الرابعة التي تقود عمليات القمع الحقيقية وتتنقل من مدينة لأخرى، وآصف شوكت صهر الرئيس ورئيس الأركان الحالي فعليا، وهناك طبعا أعداد متزايدة من المنشقين من الجيش من الطائفة العلوية لعل أبرزهم ضابط برتبة عقيد من آل الأسعد وهي أسرة معروفة وشكل الجيش السوري الحر، وهناك أعداد كبيرة أخرى من مختلف الطوائف انشقت عن الجيش يزيد عددها عن 50 ألف مجند قرروا العودة لبيوتهم وتسليم سلاحهم حتى لا يحاكموا عسكريا بسرقته، غير من يقتل ويحرق لامتناعه عن تنفيذ أوامر قتل الناس.
الخناق الاقتصادي المتزايد نتيجة الأزمات الداخلية والتظاهر غير المتوقف من الثوار السوريين واتساع رقعته ووقته وعدده بشكل مبهر وفعال، هذا الخناق بدأ يشكل عائقا لافتا بالنسبة للنظام السوري في قدرته على تمويل الحكومة (رواتب الموظفين الحكوميين تأخرت شهرين ومرشحة للازدياد) وتمويل الآلة العسكرية الكبيرة بشكل مستمر، فالجيوش «بالوعة» مصاريف وتكاليف، ومهما استمرت تسريبات الدعم الإيراني والعراقي واللبناني للنظام فإن الخناق الاقتصادي المتزايد سيجعل من هذه المسألة مستحيلة أن تستمر وتتواصل، وها هي السلطات التركية تواصل «فضحها» لإيران ودورها الفج في دعم النظام الدموي في سوريا بإعلانها عن ضبط شحنات السلاح التي ترسلها إيران إلى حليفها الأسد، وهذه إشارة صريحة إلى أن تركيا لن تسمح لإيران بمواصلة دورها هذا، ويشير خبير اقتصادي مطلع على الشأن السوري بتعمق فيقول: إن سوريا ليس لديها الثراء الذي لدى ليبيا، وبالتالي إمكانية صمود النظام طويلا غير واردة، وسيخنق النظام قبل أن يسقط فعليا، ويدرك الأتراك أن لديهم «كروتا» استراتيجية يلعبون بها في الساعة الأخيرة من عمر النظام في سوريا، وهي قدرتهم على التأثير على مدينة حلب وتحريكها نظرا لتأثيرهم الاجتماعي والتاريخي والسياسي، وطبعا الاقتصادي، على هذه المدينة الأكثر تأثيرا اقتصاديا في سوريا، وكذلك لديهم «عمق» معين في الجيش السوري نفسه، ومعرفة هذا التأثير التركي الخطير على الداخل السوري هو الذي جعل سوريا والعراق وإيران يحركون الأكراد لإشغال الجيش التركي الذي يقاتل الهجمات الإرهابية من الأكراد على بلاده.
العلويون هم ترمومتر التغيير في هذا الحراك، وباتوا يستشعرون أن النظام انتهى، ولا مجال أن يصلح النظام ما أفسده هو شخصيا، وبالتالي لا رجاء ولا أمل منه أبدا، ويقول أحد أهم المدونين العلويين على شبكة الإنترنت: «إن حكم نظام الأسد حولنا من علويين إلى بشاريين» وأقنعهم عبر السنين الطويلة من غسيل الدماغ المستمر أنه إما الطاعة العمياء للنظام أو الفناء والضياع. النظام السوري يترنح بقوة على حبال الحلبة، والضربة القاضية قادمة وهي التي ستسقطه أرضا لا قيام بعدها، فهو معزول دوليا وعربيا، ومنبوذ ولا حليف له، ويشار إليه بأنه دموي وغير أخلاقي وغير صادق. نظام كهذا لا يمكن أن يكون قادرا على إدارة محل بقالة في حي بسوريا وله سمعة كهذه، فكيف يتوقع منه الاستمرار في إدارة البلاد. فقضي الأمر الذي فيه تستفتيان. وها هو المجلس الوطني يستعد لإعلان شخصياته وأهدافه، وعلم بلاده الجديد، لتكون مرحلة جديدة لسوريا يستحقها هذا البلد العظيم، وهذا الشعب الكريم، ليتخلص من هذا العهد الأليم.
No comments:
Post a Comment