أمير طاهري
على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية روج السفراء السوريون في العواصم الغربية لرسالة مفادها أن تعيين «لجنة إصلاح» هو الخطوة الأولى لإنهاء الثورة التي تجتاح البلاد. وادعى السفراء أن الرئيس بشار الأسد قد «استمع إلى صوت الشعب»، وأنه يبحث عن «حل سلمي» للخروج من هذا المأزق الذي خلقه نظامه.
ولا يمكننا معرفة مدى صحة هذا من عدمه. وكذلك فإن هذا لا يهم، فمن الواضح أن النظام الحالي في سوريا لا يمكن إصلاحه، وذلك لأنه يفتقر إلى أي آلية للإصلاح. وحتى إذا توافرت لدى نظام ما أقوى إرادة في العالم، يبقى عاجزا عن تقديم شيء لا يملكه. منذ بدء الأزمة، تم استخدام عدة مسميات لوصف النظام السوري، من بينها «دولة الحزب الواحد» و«النظام العسكري» و«الحكم القبلي».
وعلى الرغم من ذلك لا تعكس أي من هذه المسميات الوصف الحقيقي لهذا النظام الذي لا مثيل له.
بالنسبة إلى الدستور، تعد سوريا دولة الحزب الواحد حيث يحتكر حزب البعث السلطة منذ أمد بعيد، رغم أنه، في الحقيقة، هيكل فارغ. في السبعينات من القرن الماضي قام حافظ الأسد، والد الرئيس السوري بشار الأسد، بتحطيم العناصر الجوهرية اليسارية التي تشبثت بدعوتها الاشتراكية في الحزب. وفي الثمانينات من القرن نفسه، جاء الدور على الفرق اليمينية في الحزب لمحوها، تاركا الادعاءات القومية للحزب. وعندما حان دور بشار ليتولى مقاليد السلطة، لم يكن هناك وجود لشيء يدعى حزب البعث العربي الاشتراكي.
لدى دولة الحزب الواحد آليات للإصلاح، فمن الممكن أن تقوم اللجنة المركزية أو المكتب السياسي أو الجمعية العمومية بعمل انقلاب ضد القيادة التي لم تعد قادرة، لسبب ما، على الاستجابة للتحديات الجديدة. وهذا ما حدث للاتحاد السوفياتي بعد ستالين عندما أطاح خروشوف بالحرس القديم الذي يقوده مالينكوف. وحدث «تغيير من الداخل» مماثل لذلك في الصين عام 1970 عندما قام حزب دينغ تشياو بينغ بإطاحة حزب عصابة الأربعة من الحكم. في الدولة ذات الحزب الواحد التقليدية تأتي شرعية الدولة ونفوذها من هذا الحزب. ولكن الأمر على النقيض من ذلك تماما في سوريا، حيث تأتي الشرعية الواهية والسلطة الضعيفة التي يحظى بها «البعث» من الدولة. بل إنه من الممكن أن نعتبر حزب البعث السوري أحد ضحايا النظام السوري.
كما أن مسمى «النظام العسكري» لا يليق بالدولة السورية إبان حكم أسرة الأسد. ففي ظل النظام العسكري، تسيطر القوات المسلحة - أو على الأقل جزء منها يتصرف تحت اسم مجمل القوات - على الدولة.
كانت أميركا اللاتينية تعج بهذه النظم منذ الخمسينات وحتى الثمانينات من القرن الماضي. وعاشت كوريا الجنوبية نفس التجربة إبان حكم بارك تشونغ هي. وبرزت نفس الآلية في إندونيسيا إبان حكم سوهارتو. وكان هذا هو النظام الذي يحكم مصر إبان حكم حسني مبارك، وتونس إبان حكم زين العابدين بن علي مع وجود اختلافات طفيفة، فعندما يرى الجيش أو قيادته على الأقل أنه لا مفر من حدوث تغيير يتحرك لإحداثه إما عن طريق عمل انقلاب وإما أن يرفض إخماد الثورة الشعبية. وفي ظل سلسلة من الانقلابات، خضعت سوريا لنظم عسكرية متشابهة. رغم أنه لا يمكن وصف النظام السوري الحالي بأنه نظام «عسكري»، لأنه من الواضح أنه تم إقصاء القوات المسلحة عن عملية اتخاذ القرار. وقد ظهر الشهر الماضي مؤشر يوحي بأن المؤسسة العسكرية السورية ربما ليست راضية عن عمليات القتل اليومي للمتظاهرين في الشوارع عندما أوكل النظام السوري مهمة قمع الثورة إلى «قوات خاصة».
ويتساءل بعض المراقبين عما إذا كان لا يزال هناك جيش في سوريا. إن مهمة الجيش هي حماية أراضي البلاد وحراسة حدودها ضد أي اعتداء فعلي أو متوقع.
ولم تكن هذه هي مهمة الجيش السوري منذ بداية السبعينات. كما أنه لم يتم تنظيمه وتسليحه لهذا الغرض. ومن المثير للاهتمام أن نعرف أن 80 في المائة من عمليات شراء الأسلحة السورية اشتملت على أسلحة ومعدات تستخدم في القمع الداخلي وليس للدفاع عن البلاد ضد اعتداء أجنبي.
ولا تعد القوة العسكرية التي تستخدم للسيطرة الداخلية على البلاد أو القمع الداخلي جيشا، إنما تعتبر حرس الحاكم، أو دعوني أستخدم تعبير اليوم، إنها تعد ميليشيا سياسية.
ربما يبدو هذا غريبا، ولكن ربما تكون القوات المسلحة السورية أحد ضحايا أسرة الأسد.. فقد تقلدت أسرة الأسد الرئاسة على أنقاض الجيش السوري.
ولكن ماذا عن المسمى الأخير «الحكم القبلي»؟
من الصعب تبرير تقلد بشار الأسد للسلطة. إن التاريخ العربي مليء بالأمثلة التي تسيطر فيها قبيلة ما على الدولة باستخدام القوة والخرافة والرشوة. إلا أنه ليس هناك قبيلة سورية ممثلة داخل نظام الأسد، ناهيك بالسيطرة عليه. إن العلويين يشكلون قطاعا كبيرا غير متكافئ في المؤسسة العسكرية السورية والوظائف المدنية مرتفعة الأجر بالفعل، لكن العلويين طائفة دينية وليست قبيلة. إن ما فعلته أسرة الأسد على مدار أربعة عقود ليس له علاقة تذكر بالعلويين كطائفة دينية.
وتعتبر الطائفة العلوية أيضا أحد الضحايا الكثر لنظام الأسد مثل حزب البعث والجيش السوري، لأن نظام الأسد قد قام بتدمير كل المؤسسات والقنوات الثقافية والاجتماعية والتاريخية بين الشعب والنظام، ولم يترك أي آلية للتغيير في الدولة، فليس هناك أي قادة قبليين أو نخبة دينية أو فكرية أو حزب سياسي أو شخصيات عسكرية لديها سلطة اعتبارية لتكون وسيطا بين الجماهير الجريحة والنظام المروع.
النظام السوري وحش سياسي غريب. وهناك أمثلة قليلة في التاريخ الحديث عندما يتم اقتياد الدولة إلى مثل هذا المأزق المأساوي.
على سبيل المثال، العراق إبان حكم صدام حسين، وليبيا إبان حكم معمر القذافي، وكوريا الشمالية إبان حكم كيم إيل سونغ وكيم يونغ إيل. ففي كل هذه الحالات يكون الإصلاح شيئا مستحيلا حتى وإن رغب بعض من في النظام سرا في حدوثه.
لقد أخبرني دبلوماسي سوري سابق بأن بعض من في النظام «يتوقون للإصلاح». ربما يكون هذا صحيحا. رغم أن نظام الأسد لا يمكن إصلاحه حتى وإن رغب بشار الأسد نفسه في حدوث ذلك. وبمرور الأيام يتضح جليا أن أفضل حل لسوريا هو تغيير النظام.
No comments:
Post a Comment